الرئيسية » الذكرى تُرمز ما وراء ترميز عبد الباسط الساروت و خالد نبهان

الذكرى تُرمز ما وراء ترميز عبد الباسط الساروت و خالد نبهان

by دعاء علي
0 comments

 

الذكرى بين عبد الباسط الساروت ، و خالد نبهان تنم عن مبادئ نبيلة تجسد على هيئة بشر ، ماتا بعد أداء رسالتهما في قصة كتبت حروفها بالصبر و المواساة و السماحة و النضال ، و في نهاية المطاف تحقيق المراد من الحياة برغم قسوتها و شدتها و تشابه النهايتين بالشهادة.

 

كتب مصطفى نصار

بين الثورة و النضال :ما وراء الموت البطولي 

 

كثيرًا ما نسمع من قصص التاريخ البطولات سواء كانت أسطورية أم حقيقة من أي مصدر ، ظاهرة لنا إشكالية التخيل و التطبيق العملي على واقعنا . يتزامن ذلك كذلك من استحالة الإصلاح أو محاولة تعديل الواقع ، أو كما يقول وائل حلاق في كتاب الدولة المستحيلة الواقع قيد التشكيل المتوافق مع الدولة ،  أي الواقع يأتي من أسفل ليشكل النمط التقليدي للدولة .

 

لا تتوقف الشكل الحديث للدولة أن يشكل القيم و المبادئ ، و خاصة المتعلقة بالنطاق خارج السوق (سوق العمل ، أو ما يشابهه من خصائص و سمات مختلفة و مميزة )،  مسببًا انفصالًا تامًا لينتهي بعصر الرأسمالية القيمية بتعبير إيان زرينلني عالم الاجتماع الأمريكي ، و انتهاء بعصر ما دون القيم .

علاوة على ما سبق ، تنحدر قيمة الإنسان كما يعتقد مايكل ساندل في كتابه ما لا يستطيع السوق شرائه بأن العدالة لا تتلائم مع الاستهلاك و العرض و الطلب ، و إلا تحولت لاولغيشيا تحكمها الأقليات بالقوانين ، و لعل هذا تفسير للتغييرات العميقة داخل المنظومة القيمية بتقدير المثيلين ، و الحملات النسوية لما تحققه لهم من أرباح خيالية مادية في مقابل دفع أقل ، دافعة كاثرين روتنبيرج عالمة الاجتماع الإنجليزية لاعتبار ذلك “انتهاز نيولبيرالي “للجميع مما يؤدي بالضرورة لزيادة الأمراض النفسية و الاجتماعية مثل الخيانات الزوجية و العلاقات الجنسية غير الطبيعية ، العابرة مما يهدد بهدم معايير المجالات الحاكمة و المؤصلة للأسس المحددة بالمجتمعات على شتى أشكالها ، ونتائجها الفورية وغير الراهنية .

أصالة و ثبات الجبال :الرسوخ لإجلال التوقير 

 

إن استدعاء شخصيات تاريخية معاصرة ، تتميز بمخالفة الواقع بشكل نضالي و إيجابي لهو من أبسط أنواع رد الجميل لهم ، و انتهاء بتخليد و أيقنة ذكراهم الخالدة ممزوجة بالحزن العميق عليهم ، لكن الحزن الوسيع و الكمد العميق لا يتخطاه كونه دافعًا محركًا للهروب المجدي من العزلة و التوققع حول الذات بطريقة متمركزة تجعل كما يبرهن أدلر للتبرير للقيام بالفظائع و الجرائم ، أو السقوط في منحدر سحيق من الانقسام و التشاؤم ، وانتهاءً بالانتحار .

 

و عندما لا يتمكن المرء أو المجتمع التوافق مع كل القيم ، و الرغبات ، دامجًا إياهم تحت مظلة واحدة . و تلك المظلة هي المشترك الإنساني و القيمي الذي اتفاقا فيهما كل من الشيخ خالد نبهان من غزة ، و عبد الباسط الساروت من سورية ، خاتمين حياتهم كأيقونة نضالية و أسطورة في الثبات و الصبر و التماسك التعاوني ، متخرقين ذلك كتاب البطل بألف وجه لجوزيف كامبل ، وروايات الخيال العلمي بكتاب مثل جي كي رونليج ، و جي آر توليكن ، وميلان كونديرا ،هاري ميللر . فرسوخ التقدير و إحياء سيرتهم لهي من الواجب المعمول به في الوقت الراهن ، لمعرفة أن المستحيل ممكن ، و التغيير يسطره الكفاح النضالي ،والبطولة الفدائية.

 

عبد الباسط الساروت …بلبل الثورة السورية الذي استشهد من أجل حرية سورية و كرامتها 

 

منذ حوالي أسبوع و نصف ، كرم نادي الكرامة السوري نجمه الراحل بلبل الثورة السورية عبد الباسط الساروت، و تحديدًا في يوم الثلاثاء ١٣ ديسمبر عقب تحرير العاصمة دمشق من نظام بشار الأسد المجرم ، فقد بدأ حياته العملية كحارس لنادي الكرامة للشباب قبل انتقاله لفريق الكرامة الأساسي ، حتى انتقلت عدوى الربيع العربي لاحقة سورية بالقطار ، متغيرة حياته للأبد بشكل جذري و أساسي.

 

فانضم في ركاب الثورة السورية بعد إعلان بشار الأسد المجرم الحرب على شعبه ، مكثفًا الضرب من الأمن و الجيش ، فأعلن العقيد رياض الأسعد ، و اللواء حسين هرموش التمرد على الجيش العربي السوري ، مكونين الجيش السوري الحر ، فبذلك تقسمت سورية مع بداية ٢٠١٤ لما يقارب ١٥ جزء موزعة بحسب النفوذ. فلمقاومة شبابية واعدة وشرسة ، أسس الساروت كتبية بيضاء الحمصية ليواجه بها نظام الأسد الوحشي.

 

فتحول لذلك من أيقونة لحراسة مرمى شباك نادى الكرامة ، لأيقونة في النضال و الثبات على الأرض في مدينته حمص ، علاوة على أغانيه و أشعاره البديعة التي هزت الشعوب العربية كلها ، و على رأسها الشعب المصري . و بالإضافة لتلك البطولات ، فقد كافح ليحافظ على حياته مستخدمًا غزيرة بقائه مع رفاقه في الحصار الشهير على حمص في مايو/أيلول من العام ٢٠١٧ .

 

من الحصار للشهادة المستحقة :وصية الساروت واقع ملموس 

 

عند دخول المعارضة السورية حمص في ٥ ديسمبر الماضي ،انتشر موقع مؤثر للغاية لشاب سوري قرب قبر الساروت ينعياه قائلًا له “الشباب نفذوا وصيتك يا عبد الباسط ، دخلوا حمص ساجدين “، فقد تحققت وصايته بعد حصار حمص الدائم ل٧٠٠يوم أي قرابة العامين بأربع سنوات ، متممين له عهده النضالي و محققين له الوصاية التي استشهد من أجلها عقب قصف النظام المجرم له بالفعل في ١٦ ديسمبر ٢٠١٩.

 

و بعد التحرير التاريخي يوم ٨ ديسمبر٢٠٢٤ ،تذكره نجوم سورية و زملاؤه الذين تعرضوا لضغوط شديدة لمنع حتى التعاطف معه بعد استشهاده ، ليكتب اسمه مخلدًا بماء الذهب بسطور من التضحية الفدائية و النضال البطولي الذي جاء أخيرًا ليطرد الأسد ذليلًا لروسيا ليجد الساروت نفسه منتصرًا مرتين ، مرة بالشهادة ، و الأخرى بعدم ترخي السوريين بإهدار وصيته القيمية . و لعل القدر يسنح لروحه رؤية الفتح المبين لبيت المقدس لإكمال الفرحة ، وتأكيدًا لنصر و عون الله دون مظالم هادرة ، أو أحزان متراكمة و خاصة أكوام من المعتقلين و المختفين قسرًا بتوحيد مادي معنوي جغرافي بمقاربات أشمل و أعم من النعرات  الطائفية القبيلة الدينية أو العرقية.

 

الرجل الرقيق السمح الذي أبكى العالم عليه :روح الجد خالد نبهان تلتقي بروح الروح

 

ارتقى الجد خالد نبهان ، المعروف بالفيديو المشهور و هو يحتضن حفيدته الشهيدة ذات الخمس أعوام ريم ، مسيمًا إياها بروح الروح، معبرًا عن حبه اللامنتهي لها ، و عشقه الطائف الذي كتب له الله قصة بقاءه لعام سطرها بالصبر و مواساة اليتامى و ذوي الأطراف المبتورة بمنتهى السماحة و الود الضخم في تعبير عن نية صافية ، و ملأها بعلو الأخلاق ،و سمو المعاني الذي جعل الناس في العالم كلهم يبكونه من كل التوجهات و الأطياف.

 

إن القصة الملهمة للجد خالد لهي بحق تحقق لقصة الصابرين و الأتقياء التي لطالما سمعناها ، ووجدناها صعبة التحقق مواسية لأرواحنا مخففة لمآسينا الدهرية و القوية ، محقق قول ابن كثير أن الإيمان الأشد يقترن بمن هم الأشد بلاء ، مخلفًا وراءه عددًا من المسلمين الجدد الذين رأوا فيه الإسلام الأخلاقي و القيمي عامل البناء و الاكتمال للإيمان و السلوان الحقيقي و القلبي.

 

و بهذا الشكل ، حقق الساروت و خالد نبهان ، رحمهما الله ، معادلة نعاني منها منذ أمد الدهر . معادلة الثبات و الإيفياء مع الاستمرار بأقل القليل لتحقيق هدف واضح المعالم ، تحقق بعد استشهادهما بتحرير سوريا ،أو لقاء حفيدته الرقيقة و الجميلة للغاية.

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00