التحديات التي تواجه الشركات في عصر الذكاء الاصطناعي وصناعة القرار بين فجوة البيانات ومخاطر التحيز والأعباء التشريعية تابع التفاصسل على تريندات.
كتب باهر رجب
الذكاء الاصطناعي وصناعة القرار
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية مستقبلية، بل أصبح واقعا ملموسا يؤثر في مختلف مجالات حياتنا، من الصحة إلى الاقتصاد، ومن الإدارة العامة إلى حياتنا الشخصية.
ومع التطور المتسارع لهذه التقنية، أصبحت مسألة فهم الحدود بين ما هو مدعوم بالذكاء الاصطناعي وما يتخذه الذكاء الاصطناعي من قرارات بشكل مستقل أكثر أهمية من أي وقت مضى.
يتناول هذا المقال الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في عملية اتخاذ القرار، والتحديات الأخلاقية والعملية المرتبطة به، مع التركيز على الأهمية الحاسمة للحكم البشري في هذه المعادلة.
الذكاء الاصطناعي: من الدعم إلى صنع القرار
مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، شهدنا تحولا واضحا في دورها من مجرد أدوات داعمة إلى شركاء فاعلين في عملية صنع القرار.
يساعد الذكاء الاصطناعي المتخصصين في مختلف المجالات على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة،
من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات واكتشاف أنماط قد يستغرق البشر شهورا أو سنوات لاكتشافها .
لكن ما نلاحظه اليوم هو تطور أكبر، حيث بدأ الذكاء الاصطناعي يتجاوز مرحلة الدعم ليصل إلى اتخاذ قرارات بشكل مستقل في بعض المجالات.
نماذج للذكاء الاصطناعي كشريك داعم
في قطاع الرعاية الصحية، تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي الأطباء على تحليل البيانات الطبية وتشخيص الأمراض في مراحلها المبكرة.
وفي قطاع المال والأعمال، تكشف أنظمة الذكاء الاصطناعي عن الأنشطة المشبوهة التي قد تشير إلى عمليات احتيال، مما يساعد المؤسسات على تجنب خسائر مالية كبيرة.
هذه التطبيقات تظهر كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قيمة في دعم القرارات البشرية دون أن يحل محلها.
الإشراف البشري: الضامن الأساسي للذكاء الاصطناعي الأخلاقي
مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، تبرز أهمية الإشراف البشري كضمانة أساسية لتوجيه هذه التكنولوجيا نحو خدمة القيم والمصالح البشرية.
يسهم الإشراف البشري في تخفيف المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي،
مثل التحيز والتمييز والأخطاء التشغيلية.
فبينما تتميز خوارزميات الذكاء الاصطناعي بكفاءتها العالية في معالجة البيانات واستخلاص النتائج،
إلا أنها لا تستطيع تقييم وترتيب الاعتبارات الأخلاقية كما يفعل البشر.
مفهوم “الإنسان في الحلقة”
يعد مفهوم “الإنسان في الحلقة” (Human–in–the–loop) أحد الأساليب المهمة لدمج الإشراف البشري في أنظمة الذكاء الاصطناعي. يجمع هذا النهج بين التعلم الالي الخاضع للإشراف والتعلم النشط،
حيث يشارك البشر في مراحل التدريب والاختبار لبناء الخوارزميات.
هذا التكامل بين الذكاء البشري و الالي يخلق حلقة تغذية راجعة مستمرة تسمح للخوارزمية بتحسين نتائجها في كل مرة .
تتضمن عملية “الإنسان في الحلقة” ثلاث مراحل أساسية:
1. تصنيف البيانات:
حيث يقوم المختصون البشريون بوسم البيانات الأصلية
2. التدريب:
يتم إدخال البيانات المصنفة بشكل صحيح لتدريب الخوارزمية
3. الاختبار والتقييم:
يركز البشر على تصحيح النتائج غير الدقيقة التي تنتجها الآلة
الإطار الأخلاقي للذكاء الاصطناعي
مع انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات،
أصبحت الحاجة ملحة لوضع أطر أخلاقية تحكم استخدامه.
وقد بدأت العديد من المنظمات والهيئات العالمية في تطوير أطر أخلاقية للذكاء الاصطناعي،
والتي تتقارب حول خمسة مبادئ أساسية:
1. عدم الإضرار
2. المسؤولية والمساءلة
3. الشفافية و القابلية للتفسير
4. العدالة والإنصاف
5. احترام حقوق الإنسان المختلفة، مثل الخصوصية والأمن
هذه المبادئ تجيب عن أسئلة مختلفة وتركز على قيم متنوعة،
وتشكل معاً إطارا متكاملا يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وأخلاقية.
حوكمة الذكاء الاصطناعي: الطريق نحو الاستخدام المسؤول
تعتبر حوكمة الذكاء الاصطناعي أمرا ضروريا للنهوض بخطط التنمية المستدامة وضمان استخدام هذه التقنية بشكل آمن ومسؤول.
وقد أصبحت الحاجة ملحة لتطوير أطر تنظيمية تضمن بقاء الذكاء الاصطناعي تحت السيطرة البشرية،
خاصة مع تزايد تأثيره في مختلف المجالات.
قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي
يعد قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي (EU AI Act)
أول تشريع من نوعه في العالم لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي.
يهدف هذا القانون إلى جعل الذكاء الاصطناعي أكثر أمانا وأمنا للاستخدام العام والتجاري،
وتخفيف مخاطره، وضمان بقائه تحت السيطرة البشرية.
يصنف القانون تطبيقات الذكاء الاصطناعي ضمن أربع فئات للمخاطر:
1- أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات المخاطر غير المقبولة
2- أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر
3- أنظمة الذكاء الاصطناعي محدودة المخاطر
4- أنظمة الذكاء الاصطناعي منخفضة المخاطر
بدأت المرحلة الأولى من تطبيق هذا القانون في 2 فبراير 2025،
حيث تم حظر أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل مخاطر غير مقبولة، وأصبح لزاما على المؤسسات العاملة في السوق الأوروبية ضمان المعرفة الكافية بالذكاء الاصطناعي لدى الموظفين المعنيين باستخدامه ونشره .
المبادئ الأساسية لحوكمةالذكاء الاصطناعي
تقوم حوكمة الذكاء الاصطناعي على أربعة مبادئ أساسية:
1. الشفافية: تسهيل فهم أنظمة الذكاء الاصطناعي وطريقة عملها
2. المساءلة: تحديد المسؤوليات والالتزامات
3. العدالة: ضمان عدم التمييز والمساواة في المعاملة
4. الأخلاقيات: الالتزام بالقيم والمعايير الأخلاقية[
التوازن بين الابتكار والتنظيم
تواجه مجتمعاتنا تحديا كبيرا في تحقيق التوازن بين تشجيع الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي وضمان وجود ضوابط كافية لمنع إساءة استخدامه.
يجب أن تكون الأطر التنظيمية مرنة بما يكفي للسماح بالتطور التكنولوجي مع الحفاظ على المعايير الأخلاقية والأمنية الضرورية.
الذكاء الاصطناعي القابل للتفسير
الذكاء الاصطناعي وصناعة القرار
من أبرز التحديات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات هي مشكلة “الصندوق الأسود“، حيث يصعب فهم وتتبع كيفية وصول الخوارزميات إلى نتائج معينة.
لذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي القابل للتفسير (Explainable AI) ضرورة ملحة.
الذكاء الاصطناعي القابل للتفسير هو مجموعة من العمليات والطرق التي تسمح لنا بفهم وتوضيح النتائج التي تنتجها خوارزميات التعلم الآلي. يستخدم لوصف نموذج الذكاء الاصطناعي وتأثيره المتوقع و التحيزات المحتملة،
مما يساعد في تحديد دقة النموذج و عدالته و شفافيته ونتائجه في صنع القرار المدعوم بالذكاء الاصطناعي.
مستقبل الشراكة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي
ما يمكن توقعه في المستقبل هو تعميق الشراكة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي في مجال اتخاذ القرار،
حيث سيكمل كل منهما الآخر. يتميز البشر بالقدرة على الفهم السياقي، والتفكير الأخلاقي، والإبداع، في حين يتفوق الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات الضخمة واكتشاف الأنماط غير الواضحة.
يمكن للمؤسسات الاستفادة القصوى من هذه الشراكة من خلال:
1. الاستثمار في تدريب الموظفين على فهم وتفسير مخرجات الذكاء الاصطناعي
2. تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تعمل بشفافية وقابلة للتفسير
3. إنشاء هياكل حوكمة قوية لضمان المساءلة والرقابة البشرية
خاتمة
الذكاء الاصطناعي وصناعة القرار
في عصر يتزايد فيه دور الذكاء الاصطناعي في عملية صنع القرار،
يجب أن نتذكر دائما أن الهدف النهائي هو خدمة البشرية وتحسين حياة الناس.
يظل الحكم البشري عنصرا أساسيا لا غنى عنه،
خاصة في القرارات ذات الأبعاد الأخلاقية أو الاجتماعية المعقدة.
الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى القدرة على المسؤولية والحكم الأخلاقي، وهما عنصران أساسيان للمساءلة.
فبينما يعمل الذكاء الاصطناعي على أساس الخوارزميات ومدخلات البيانات،
فإنه لا يستطيع فهم عواقب أفعاله في سياق إنساني.
تتطلب المساءلة فهما للمعايير الأخلاقية والقدرة على تحمل المسؤولية عن الأخطاء، وهذا ما يمكن للبشر فقط القيام به.
مع استمرار تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يصبح من الضروري العمل على إيجاد التوازن المناسب بين الاستفادة من إمكانياته الهائلة والحفاظ على دور الإنسان كموجه ومشرف نهائي.
هذا التوازن هو ما سيضمن أن يظل الذكاء الاصطناعي أداة في خدمة البشرية، وليس بديلا عنها.