الرئيسية » الاقتصاد مرئيًا .. رؤية بانورامية من أرسطو لنهاية النيولبيرالية ” إنقلاب ترامب “

الاقتصاد مرئيًا .. رؤية بانورامية من أرسطو لنهاية النيولبيرالية ” إنقلاب ترامب “

by وفاء عبد السلام
0 comments

الاقتصاد مرئيًا .. رؤية بانورامية من أرسطو لنهاية النيولبيرالية ” إنقلاب ترامب ”

الاقتصاد مرئيًا .. حكاية اقتصادية : موجز مخل في الاقتصاد العالمي منذ أرسطو حتى بزوغ التنوير .
خطة جديدة للاقتصاد…ترامب ينقلب على الاقتصاد العالمي

كتب / مصطفى نصار

بوعي كامل ، أثارت تصرفات ترامب الاقتصادية موجات عارمة من ردود الفعل المختلفة و الكبيرة ، بين غضب و إعادة فرض و رد الرسوم الجمركية بسرعة و بنسب مجنونة و مخالفة لوقائع الاقتصاد العالمي بحق ، ما يشكل موجة تشاؤمية مصدرها الأزمات المختلفة و الكوارث المعقدة التي تتشكل من ارتفاع أسعار الذهب و الانخفاض المدوي للبنزين فبلغت أسعار خام برنت ٦٠ دولار بانخفاض يصل للربع منذ ٤ سنوات في عام ٢٠٢١م ما يثير الغرابة المتولدة عن البداية الطبيعية لسير الاقتصاد عبر تاريخه الممتد منذ اليونان حتى النيولبيرالية.

 

من اليونان لظهور الأموال .

بادى ذي بدء ، خلق أفلاطون و سقراط نظامًا شموليًا يعتمد على المقايضة و المنفعة المتبادلة تحت شعار تعويض النواقص و الفضلات ، فتكون المجتمع الأول في اليونان اقتصاديًا تبادلًا قائم على الدورة الإنتاجية البدائية القائمة بالقدر الأول على سد الذرائع و التعويض المتكافئ للفرص بحيث يتكامل كل طبقة منهما تحت إشراف رمزي ، و غير ملزم من الدولة الحاكمة آنذاك غير الضرائب و توزيع الدخول أو دور المحصل ، لتتغير تلك الرؤية المبسطة مع رؤية أرسطو الثورية في الاقتصاد و فلسفته التي غيرت الاقتصاد هيكليًا من جذوره لأوراقه .

الإقطاع و العبيد القدامى …ظهور مشوه من سوء فهم 

برؤية مبسطة ، أعلن أرسطو قي كتاب الأخلاق و السياسة عن رؤية تنظيمية جديدة قائمة على إصدار الأموال لسد قلة الموارد ، بعد فشل العرابين الورقية ، و التي كانت بمثابة العقد الورقي الملزم لطرفي المقايضة لضمان تحقيق عدالة مقبولة نوعًا ما ، حتى انهار نظام الأخلاق الأرسطية ، و معها النظام الاقتصادي بظهور النظام الإقطاعي حيث طبقت نظرية أرسطو عن العبيد حتى منتصف القرن ال١٨م ما دفع الأمر لتكوين صورة قاتمة لحد ظهور المسيحية ، و تطورها على يد بولس الرسول ، بذلك بدأت مرحلة جديدة من النظم الاقتصادية المستعبد للآخرين تحت مسميات حماية الإمبراطورية و توسعها .

فبلغت رغبة الرومان و اليونان في التوسع المهمين للسيطرة و احتلال الأرض درجة الهوس الارتيابي لدرجة رغبة الاسكندر قبيل المسيحية مع رغبة الامبراطور نيرون و قسطنيطين و مكسلميان الأول الذين حاولوا تفضيل السياسي على حسابي الاقتصادي و الأخلاقي فانهارت الامبراطوية اليونانية نتيجة الانحطاط و السفول الأخلاقي و الاقتصادي الذي اعتمد على البهائمية و نظام الطبقات العليا و السفلى القائم على الامتهان ، و الهدر الجسيم ، أو بحد تعبير كريس ويكهام “إرث استعبادي “لم يحقق لروما و اليونان سوى الاحتقان ، و زيادة الحقد ،غير زنا المحارم التي تحولت لطقس يومي روتيني من مرة لعشر مرات يوميًا .

لم تكن الحروب بعيدة عن تلك الدول قط ، بل انتشرت كالنار في الهشيم حتى بين المدن الموحدة تحت دولة واحدة ، مثل إسبرطة و أثنيا ، ليتوسع منها بالتدريج للوصول لحروب بين الفرس و الروم ، لتنهار مجتمعاتهم بشكل كامل و معها الاقتصاد تباعًا الساقط سقوطًا ، ما دفع لزيادة معدل البطالة و الجرائم العنيفة الذي وصفها المؤرخ الهولندي يوهان هويزنخيا في الإنسان اللعوب بالفضائية الاضطملاحية التي هشمت أسس المجتمع حتى سيطرت الكنيسة الرومانية كاملة على المناخ العام ، و دخل عصر الماركتينليا ، و هو مذهب اقتصادي قام في القرن الثالث عشر الميلادي و استمر قرابة الخمسة قرون بحلول عصور التنوير الأوربي .

التجريف :الاقتصاد عاريًا منذ حرب فرساي للحرب النيولبيرالية  .

في كتابه القيم تاريخ الفكر الاقتصادي ، يشرح الكاتب و الاقتصادي ذائع الصيت جوزيف جالبرث إلي أن البروتستانتية وضعت الأساس الفلسفي للرأسمالية ، متمثلًا في الفرد الباني للمجتمع الحديث ، لكنه شابت الاذوكسية بنوع من التداخل العميق بين الدولة و العمل فظهرت الرأسمالية الحديثة ، معرفة بأنها ، كما في كتاب ثروة الأمم بأنها “التراكم المفيد و المجدي بجناية الأرباح عبر العمل المالي”، متأخذًا شعارًا جوهريًا يقتضي بمرور و سريان العمل لتراكم الأرباح و تكبيرها تحت الجملة الشهيرة “دعه يعمل دعه يمر”.

فرنسا و الولايات …نموذجين متناقضين لنفس السياسة

فطبق في الحالة الفرنسية عقب اتفاقية فرساي من جوانب عدة و كلها أصلية ووثيقة الصلة ، فاتجه الاقتصاد و المجتمع ناحية العلمنة الشاملة ، حيث فعلت الدولة فكرة المساواة في الأجور و كل عمل ذا أهمية يكافيء بما يناسب فتكونت ترتبية اقتصادية هرمية كونت بذلك عقد اجتماعي جديد قائم على الدخول و التقدم المتكافيء وفقًا لتعبير سمير أمين في كتابه المشترك مع برهان غليون عن التقدم اللامتكافيء ، أدى ذلك بالتالي لتسارع النمو و الإنتاج حتى القرن التاسع عشر ، و دخول الثورة الصناعية التي أجرت تحولات عميقة في الاقتصاد أرجع العالم لعصور الإقطاع و ظهور مذهب الرأسمالية و الاشتراكية بكافة تفريعاتها المجنونة و الجانية على العالم بمصائب حتى اليوم !!.

عززت الثقافة الصناعية الهوة و الأزمات المركبة بين الأغنياء و الفقراء الذين مثلوا أكبر طبقة شملت أغلب الحالات و الوظائف من عمال و فلاحين و أطباء ، لإن الهدف كما قال سان سيمون عالم الاجتماع الشهير زيادة الأموال و الثورات الشخصية على حساب المجتمع كله ، أي بعبارة أخرى معاناة الطوائف جميعها من أجل الزيادة للمنتجات و استمرار تقدم المجتمعات الأوروبية فضلًا عن زيادة الأزمات النفسية و المعيشة مثل موت الأمهات الصغيرات ، الذي كتب عنها أدباء هذا القرن بالنقد و التحليل مثل تشارلز ديكنز في أوليفر تويست ، و كذلك فيكتور هوجو في البؤساء ، الأمر الذي دفع المحلل و الباحث الاقتصادي دانيال اس ديفوس في كتابه “بموسيوس الطليق :رؤية عالمية للثروة الصناعية” أن الموت و البؤس الاجتماعي متلازمين مترابطين بقوة متينة متصلبة .

الاشتراكية و الماركسية …محاولة يائسة لتحطيم النيولبيرالية

عمل هذا التصلب والبطش الاقتصادي على دفع مجموعة من المفكرين لمجابهة هذا الجنون العبثي ، على رأس تلك الأفكار الاشتراكية الفرنسية التي تبلورت في مدرسة باريس على يد سان سيمون و زملائه الأكاديمين مثل روبوت أوين و بيير جوزيف بندوالو صاحب مؤلف ما الرخاء ليصدكوا مصطلحات تصف الوضع الكارثي للثورة الصناعة آنذاك ، مثل البرجوازية ،  و النهب المجتمعي و اللاسطلوية بصفتها نظام حكم أمثل لتيسير معاش الناس .

بالتوازي معها ، ظهرت الأيدولوجية الشيوعية و الماركسية لتكمل ما أغفلته الاشتراكية مع تخفيف حدة المثالية المتعالية بها ، ما ساعد صاحبيها كارل ماركس و إنجليز على التعاطي المتبادل مع الرأسمالية عبر كتابه الضخم و معجزته الاقتصادية رأس المال الذي شرح فيه الرأسمالية التجارية و الاقتصادية جملة و تفصيلًا، و تأثيرها الملموس و القريب على السياسي و الاجتماعي لتتجسد نبواته الاقتصادية المتمثلة في التضخم الرأسمالي ، و الأمر من ذلك اللبيرالية التضامنية ،لتتطور بآخر نسخها النيولبيرالية ، باختصار وجد العالم الجديد نفسه أمام غول متوحش و مبتلع كل ما يجده حتى اللحظة الانهيارية ألا و هي الحرب .

فمن هول لحظة الحرب العالمية الأولى و الثانية ، ظهرت المذاهب المحدثة الخارجة من رحم الدمار و الجوع و الفقر و على رأسهم فريديك هايك و اولن رايت و ديفيد هارفي و نوبريرت إلياس و جوزيف جالبرث نفسه التي جمعتهم رغبة محمومة لمعرفة إشكاليات الهيكل الاقتصادي و اضراره ، فضلًا عن التوسع في استرقاق البشر سواء عبر الاستعمار أو الرق الحقيقي الذي استمر لقرابة ٧ قرون لتتبلور صورة أن تلك الحضارة بأكملها طريق طويل من الألم و الدم لخدمة طبقة محدودة لنهب الأموال و الثروات ، و كان من المتوقع كما يؤكد هايك نفسه أنها تتحطم لكن هذه المرة على رهان فاشل .

من اللبيرالية لمابعد النيولبيرالية ….رفاهية منهارة على سن حمى الفوائد!!

همينة القطب الواحد …اللبيرالية و النيولبيرالية حاكمًا

تغير العالم الاقتصادي جذريًا و بشكل متسارع عقب سيطرة الولايات المتحدة على زمام الأمور في العالم عقب تحولها لمصنع العالم العسكري و القطب الأوحد في السياسة،  ما أدى لظهور نظام اقتصادي شامل جديدة يعتمد بالكامل على الفوائد الربوية ، و ربط الذهب بالدولار مؤقتًا ، و ما لبث أن فشل الأمر حتى عزل نيكسون عام ١٩٧١ ، و جاء كارتر و بعده ريجيان الذي غير الدفة الاقتصادية للعالم نحو الرأسمالية المتوحشة و المستبدة التي لا تسعى إلا لزيادة بلا سقف و لا نهاية محددة لأرباح الشركات العابرة للحدود مكونة إمبريالية جديدة .

انهيار و سقوط متكامل …ما بعد النيولبيرالية.

فكما أكد البروفسور الأمريكي فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخ الواضع لإطار نظرية متطرفة شهيرة تفيد بأن اللبيرالية المشرع و الاقتصادي الوحيد هنا بعد الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي ، يتفق ضمنيًا مع ديفيد هارفي في كتابه اللبيرالية و نقادها الساخطون أن النيولبيرالية هدمت الاقتصاد بحجة تحقيق الرفاهية و التقدم المنشود ، و ما وجدت نفسها إلا هدامة بتجريف شامل و خراب مستعجل أسس الرفاهية المزعومة بسبب التركيز على الفوائد التي تصب في مصلحة حفنة جائعة من الأغنياء ، و زمرة من الدول ذات الإرث الاستعماري التي أصبيت بالتخمة الاقتصادية فأرادت إفقار الكوكب بأسره !!.
في ضوء ما سبق ، يطرح السؤال المنطقي في ظل هذا العبث بالكوكب ، متضمنًا إجابات واسعة و رحبة لكنها غير عميقة لتنتهي بمأساة مجي ترامب في الفترة الأولى من العام ٢٠١٦ ، و كذلك إعادة الكرة مع هذا العام ألا و هو متى تكتب النهاية للنيولبيرالية باعتبارها النموذج المهمين في العالم و عليه ، ليفاجىء الجميع بكتابة نهايتها بنفسه عبر جمع اللبيرالية مع النيولبيرالية بمنتهى الحمق ، دون أن يذكر بأسلوب غير مباشر حتى نتيجة ما يفعله المباشرة التي تحدد ملامح أزمة اقتصادية عالمية بقوة ، و صعود الصين بمنتهى السرعة لتلملم شتات الدول المتضررة من قرارته الاقتصادية ذات الطابع النرجسي و الفج المتطبع بطبعه الشخصي .

فكما بدأ الاقتصاد القائم بالدرجة الأولى على العبودية و زيادة الهوة و الإقطاع و الفوائد الربوية ، يدور التاريخ الخاص للفكر الاقتصادي الغربي ليثبت أن مقولات الغرب كلها شعارات فارغة لتحقيق مصالحه الخاصة و الشخصية ليتضح له فعله الشنيع الذي كتبه بنفسه عليه ، يكمن في الانحطاط الاقتصادي انهيار بنيوي شامل يفيد بانتهاء حتمي لحضارة منافقة مزدوجة المعايير تتضح فيها قول أوسالند أشبنغلر في كتابه تدهور الحضارة الغربية أن تلك الحضارة اعتمدت على الاقتصاد لدرجة التأليه ، فالمادية الاقتصادية التي لا تعرف إلا تقديس الأرباح نهايتها الحتمية تأتي بيد أبنائها  المخلصين ، في تلك الحالة الساسة الليبراليين .

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00