الأثر الحضاري في حياة المصري القديم

الأثر الحضاري في حياة المصري القديم

بقلم :الدكتور رمضان العوامي

الحضاري مما لاشك فيه إن البيئة المحيطة بأي مجتمع ، سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية ، تشكل ظروف تعاطيه مع الحياة نفسيا وجسديا ويظهر تأثيرها بوضوح علي ملامح أفراد ذلك المجتمع ، ولعلنا نرى فيما نقله لنا وصف المؤرخون ، وبعض الرسومات التخيلية ، بالإضافة الى الجداريات أو التماثيل ، عن أمم ابتليت بالمجاعات أوالحروب الطاحنة ، أو تعرضت لسطوة سلطة قمعية ، كيف آن ملامحهم تُظهر قسوة البؤس والحزن ، ونراه أيضا في نحول الأبدان وغياب الجمال ، وفي الملابس الرثة ،نتيجة المكابدة المرهقة في سبيل مطاردة لقمة العيش ، والسخرة ،أو حالة الخوف و انعدام الشعور بالأمن ، أو العبودية والإذلال ، وفي الوقت نفسه نلاحظ ملامح الأباطرةوالحكام قاسية خشنة ، خالية من أية ملمح إنساني، ويبدو عليها الثراء الفاحش والكبرياء والجبروت معا.

الأثر الحضاري في حياة المصري القديم

ولكن حين نشاهد ببصيرة جليّة ، ما تركته لنا الحضارة المصرية القديمة ، من رسومات جداريه ومنحوتات ، وبغض النظر عن ما ورد من تفاسير حول ما تعني تلك الآثار ،إلا إننا نستشف من زاوية أخرى ،جمال الملامح الظاهرة بقوة في عذوبة وأنس المحيا ، وطمأنينة وهدوء النظرة الوديعة ، ورشاقة البدن ، والأناقة في المظهر سواء كان اللباس نفيس أو بسيط ، ضف الى ذلك الرقي الذوقي الظاهر بجلاء في الرسم والنحت والبناء ، والرقة في الموسيقي والرقص والزينة ،بالإضافة الى العناية بالبدن ، منحيث الغذاء والنظافة والرياضة ، لتبدو رشيقة متناسقة ، رجالا كانوا أو نساء ، صغارا أو كبار ، من الملوك أو الرعية.

وفي هذا دلالة كافيه تنم عن حياة اجتماعية مستقرة ، وعن عيش كريم موفور للجميع ، وتؤكد الرضي الجمعي عن حياة تنعم بالعدل الاجتماعي ، خالية من الطبقيةالكريهة ، ، وانعدام ظاهرة العبيد والسادة ، وقوة الاقتصاد ، والاطمئنان الكامل لحالة الأمن بالبلاد ، والثقة في استمرارية ذلك حاضرا ومستقبلا، بفضل إدارة الدولةبحكمة ، وتداول السلطة بشكل سلمي.

فكل هذه وتلك ، انعكست بشكل واضح على هيئة الإنسان المصري القديم ، ظاهرا وباطنا ، ولذا وفي ظل هذه الحياة الفاضلة، أقبل ذلك الإنسان على الحياة بحب نفسراضية ، ووجد الوقت المريح والكافي، للعناية ببدنه وسكنه ، والاهتمام بحقله وأسرته ، والإخلاص لوظيفته ، وتطوير صناعته ، والي جانب ذلك أتقن كل الفنون المحسوسة منها والملموسة ، وأظهرها على نحو مدهش يسلب الألباب ، كما آن تلقيه العلوم المتقدمة ، وسلامة عقيدته ، أسهما في بنائه الروحي ، وصفاء ذهنه من أي تشويش أوتلوث ، مما جعله يتميز بعقل سليم ونفس متزنة، أدت الى التزامه الذاتي بالأخلاق السامية ، والسيرة الحميدة ، واحترام القوانين ،وحفظ الأمانة ، والوفاء لأرضه ومجتمعه ونظامه، وتوقير آيات الخالق فيما خلق ، وتبجيل مصادر النعم ، والابتعاد عن الغش وممارسة الرذيلة ، ورفض الذل والخنوع ، و ردع العدوان .

الحضاري

ولهذا رأينا فيما ترك لنا المصري القديم ، آن ملامحه انعكاس حقيقي لتلك الحياة الراقية الفاضلة ، وبأدق تفاصيلها ، سواء كان حاكما أو حكيم ، أو من عامة الشعب ،وتخبرنا أثارهم كيف آن حالة الرضي النابعة من الأعماق ، ظاهرة على الجميع دون استثناء، وذلك هو ما شكل الأسس الثابتة لاستمرارية تلك الحضارة العظيمة لآلافالسنين، وبكافة مفرداتها ، والتي أبهرت العالم عبر الأحقاب ، ومازلت تبهره حتى يوم الناس هذا ، نظرا لتميزها الكبير عن ما سمي بأي حضارة لاحقة.

الأثر الحضاري في حياة المصري القديم

ولعل نظرة متأنية لما بين أيدينا الآن ، لمثل  مبادئ ( ماعت ) السامية ، ووصايا أولي العلم منهم ، ومتون الأهرام ، وصور الملوك في مراسمهم ، والحكماء في طقوسهم ،والعامة في كل مظاهر حياتهم ، وفخامة المعابد، والمقابر ، وأسرار مراكز علومهم ، ما يغنينا عن هذا القول كلهوالي وقفة أخرى بإذن اللهدمتم بسلام .

د. رمضان العواميباحث تاريخي مستقلليبيا

الأثر الحضاري في حياة المصري القديم

الحضاري القديمة

Related posts

نجيب الخطاب أشهر مذيعى التليفزيون التونسي .. مشوار حافل وبرامج مختلفة مميزة

اليوم العالمي للتنوع البيولوجي 2025.. مصر تدعو للعمل المشترك من أجل الاستدامة

لأول مرة.. مصر تفوز باستضافة المؤتمر السنوي لـ “الأيوسكو” 2026 بشرم الشيخ