أبو القصة القصيرة الساخرة .. توليد أنطوان تشخيوف لمفهوم المعارضة الخفية

أبو القصة القصيرة الساخرة .. توليد أنطوان تشخيوف لمفهوم المعارضة الخفية

 

القصة القصيرة.. في الأدب  تسعى الحروف و الكلمات للتعبير عن سردية معينة غرضها الأول و الأخير ممارسة الجنس الأدبي بكفاءة وحرفية منقطعة النظير ، أو بعبارة الناقد إيلوت “مغامرة “معلومة الملامح لانعكاسات تعبر و تغطي عن الواقع أو السخرية منه أو الترميز بفكرة لنقض أخرى .

 

فيسهم تنوع الأغراض و الأشكال الأدبية بحق في حركة اجتماعية إما هدفها الإصلاح أو الهدم و التقويض تحت شعارات من قبيل هدم أو تنقينة التراث أو الثورة على القديم لإنه لم يجد نفعًا أو لإنه يحتاج التقويم، أو بمفهوم ادوارد سعيد “السلطة” التي تقيد الأدب.

و لكن الأدب الساخر تخطى كل تلك القيود بقوالبه العاكسة للواقع بسخفه و سقطاته الساذجة و الرعناء ،للتحايل على الاستبداد السياسي عامة و في حالة أنطوان تشخيوف الروسي و القصيري خاصة ،عملًا بجهله و رعونته و تفاهته عن التعامل مع الفكر و الأدب إلا لو باشر الفكر بمهاجمته مباشرة و بطريقة اذعة ، لإن الاستبداد و النظام الشمولي سواء ملكيًا أو عسكريًا لا يفهم إلا أنه تافه و خائف و يرتعد في مضاجع الرعب بحسب ما أشارت الفيلسوفة حنة أرندت في كتابها أيخميان في القدس .

الخوف و الدم و السيطرة ال
تامة :الوجه الأسود لروسيا القصيرية مع الكتاب .

القصة القصيرة

إن انزلاق الروس نحو ثورة البلاشفة و من بعدها الدكتاتورية الشيوعية لم يكن وليد لحظة مفاجئة أو ثورة غير مدورسة شجعها الشعب في لحظة غفلة ، بل نتاج سنوات طويلة من القمع السياسي و الرقابة الصارمة و الإفقار المتعمد و تطبيق نظرية الملك لويس الرابع عشر بقوله أنا الدولة .

اقرأ أيضا بطولة العالم للراليات بالسعوديه  تحت مسمى “رالي السعودية” عام 2025
بالإضافة لذلك ، شدد القياصرة الروس الرقابة على الصحف و المجلات لعلمهم القوي و اليقيني على إذ أطلقت العنان لحرية الصحافة لانقلبت عليك و حشدت الناس لتخرج و تطيح بالنظام القيصيري بأكمله ، و لعل هذا ما جعلهم يسجنون دوستوفيسكي و ينفون تولستوي فقط لانتقادهم السلطة الدينية و السياسية بجرأة و شجاعة قل أن وجد مثلها ،و لتولستوي دور عظيم في الدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

 

 

أما بالنسبة للدم ، فكبرت لدرجة أن انتشرت في الشوارع و ارتكب أكثر من مجزرة و مذبحة مثل ميدان سانتبيتربوغ التي راح ضحيتها أكثر من ٤ آلاف فرد ربعهم على الأكثر من الكتاب . فمن المنطقي و البديهي أن تغيير الطبيعة البشرية تأتي من ترويضها بالدم و الخوف و السيطرة الشاملة و مختلف الوسائل الدنئية و الخبيثة .

اقرأ أيضا أكبر مسابقة أدبية في الوطن العربي ..  شروطها وموعدها
فارتباط الكتاب و الصحفيين بهذا المناخ السام قسم لعدة شيع و تحديدًا إن ذاع صيته لتشديد المراقبة و الكشف الدوري على كتاباته من قبيل أجهزة الأمن و المخابرات الروسية في هذا الوقت . و بهذا ، بحسب آرثر آربري الأستاذ الفخري لتاريخ روسيا في أكسفورد، يغذي التفكك على الأقل الأساطير المحيكة حول الزعيم القوي أو الملك الهمام .

 

و اختلاف حالة تشخيوف في الأدب الروسي و تمكنه الخلاب من جعل الحياة عبارة عن عبث و سخرية كبيرة بطريقة تشبه المعارضة و الضجر الخفي من السلطة السياسية التي قوضت حياة الروسي العادي ، و أحالتها لجحيم حي. و بذلك ، يعد تشخيوف من القلائل الذين ابتكروا مصطلح المعارضة الخفية و طبقه بطريقة تتحايل على الواقع دون أن يذق عواقب معاصريه أو من سبقه .

 

هناك من ترك مهنة ليمتهن أخرى لأسباب متنوعة و متشابكة ، أهمها و أكثرها إلحاحًا المال و اكتساب خبرات و تجارب متنوعة إنسانية و ديناميكة تسهم في تطوير هوية و إبداع و ملكات الفرد عبر عدد معين من السنوات ، ما حدث مع الطبيب تشخيوف اختلف جذريًا عن مسيرة أي فرد بالضرورة يرغب في ممارسة هوايته على الرغم من جنونه و اندفاع قرارته المتعقلة بعلاقته ابنه .
فتبلورت موهبته في الكتابة عقب دخوله لكلية الطب في عام ١٨٧٥ م و نشر العديد من القصص الإبداعية مثل الرهان و وفاة موظف المكتب أثناء دراسته للطب تحت اسم مستعار في بادئ الأمر و هو أنطوانينا تشخيوفكنيا ظنًا منه أن القصص قد تسهم في اعتقاله ، و ما وجده تمامًا يتناقض بالكلية مع شغفه و حبه الأزلي مع الكتابة . فعلى إثر ذلك ، عمد لإكمال مسيرة حافلة بالروايات و المسرحيات وصلت ل ٤٤مؤلف مثل الشقيقات الثلاث و عنبر ٦٧ و المبارزة .

 

فتورط تشخيوف في أدب الفكاهة و السخرية من الحياة عمل على تحفيز مشاعر الغضب و السخط الموظفة بشكل عملي في أدبه ، ليصور و يروى تحزلق أو تسفيه من الظاهرة أو الفكرة التى ينقدها . أي أن ملائمة أدبه جاء من تطابقه بالواقع لدرجة جعلت الأديب الروسي الضخم مكسيم غوركي يعترف بسبقه عليه في التصوير و المتلازمات اللغوية و اللفظية .

القصة القصيرة

وبالإضافة لما سبق ،فإن الفكاهية التي عانقت تشخيوف في أدبه انعكاس صادق عما يدور بخياله خصيصًا حينما أكد للصحفي الذي سأله في أي جهة حول الأدب حياتك ؟ ، أجابه بكل حزن و كمد “حياتي عبارة عن جنازة ” في تعبير غارق في البؤس و الحزن و الغصة و الضنك الذي عانى منه في حياته خاصة الزوجية . و بالطبع، صراعه الطويل و المرير طيلة عشر سنوات من مرض السل الذي قتله و جعله يسافر ألمانيا ليعالج هناك و يموت في ١٥ يوليو ١٩٠٧ .

 

ويجدر ذكر تأثر تشخيوف بتولستوي ، بل و تخطيه بمراحل حتى بلغ بتولستوي أن وصفه بأنه أديب القصة القصيرة الحقيقي ، و ليس فقط لتكوين ملامح القصة القصيرة الحديثة بل أيضًا لإعادة هيكلية المسرحية من ٣ فصول و فصل واحد بعد أن راكدت و توقف صيتها من بعد موليير الفرنسي الساخر ليرفدها بذلك لجانب الأدب الفكاهي تلو الآخر الذي لا ينفك عن كونه محاكاة مقلوبة للواقع المشوه المريض ليس فقط كوسيلة للتنفيس و الهروب من آلام و تجارب أليمة .

Related posts

كيف تصبح تريند وتصبح حديث السوشيال ميديا .. معلومات ذهبية

سفير المملكة لدى مصر يستقبل نقيب المهن السينمائية وأمين عام اتحاد الفنانين العرب

حظ الأبراج اليوم في المال.. مفاتيح الثروة والازدهار