رفاعه الطهطاوي “أبو الفكر المِصري الحديث”
كتبت: وئام أحمد إمام
حين اختار محمد علي باشا أن يكون “رفاعه الطهطاوي” ضمن البعثة العلمية المسافرة لفرنسا عام ١٨٢٦م، حزنت أمه وتمنت لو ظل ابنها بوظيفته واعظًا وإمامًا في الجيش بعد أن أنفقت علىٰ تعليمه ثمن ما باعته مما كانت تملكه من حُلي وعقار، واعتزلت الأم قومها وأضربت عن ممارسة الحياة العادية مدة غيابه في باريس فأغلقت علىٰ نفسها الباب.
حب أمه له:-
وعندما عاد من باريس لم تصدق أنه هو، فأخذ يقنعها بشخصيته حتىٰ فتحت له بابها غير مصدقة، حسبما ينقل الدكتور محمد عمارة في كتابه “رفاعة الطهطاوي رائد الفكر الحديث”.
عوض الطهطاوي أحزان أمه بإنجازاته العظيمة التي بدأت بعودته، واستمرت من عصر محمد علي حتىٰ وفاته في ٢٧من شهر مايو لعام ١٨٧٣م.
كما يذكر الكاتب الروائي بهاء طاهر، في كتابه “أبناء رفاعه” بأن مِصر تدين له بأكبر فضل في التغيير الثقافي الذي غير وجه الحياة فيها، فكان الذراع اليمين لمحمد علي في سياسة التعليم العصري، وهو الذي أنشأ المدرسة العليا للترجمة والإدارة التى صارت مدرسة الألسن فيما بعد، واشترك بنفسه فى ترجمة عدد كبير من الكتب والمراجع العلمية.
كما كان رئيس التحرير لأول صحيفة مِصرية تنشأ في القرن التاسع عشر وهي الوقائع المِصرية، وقبل ذلك ألف عددًا من الكتب أثرت مجرىٰ الفكر المِصري حتىٰ يومنا هذا.
حياته وتعليمه:-
قضىٰ طفولته الأولىٰ وصباه في طهطا حيث تلقىٰ علومه الأولىٰ ثم انتقل لمدينة قنا وفرشوط ومن هناك انتقل للقاهرة بعد وفاة والده ليدرس في الأزهر وهو في السادسة عشرة من عمره.
وتلقىٰ في الأزهر علوم الدين واللغة والأدب وتتلمذ علىٰ يد الشيخ الثائر حسن العطار، الذي كان من العلماء الذين تفتحوا للعلوم والفنون الحديثة أيام الحملة الفرنسية علىٰ مِصر، وكان يذهب إلىٰ المجمع العلمي المِصري والذي أسسه بونابرت، ويستمع إلىٰ ما يُلقىٰ فيه من محاضرات ويطلع في مكتبته العامرة بالعلم.
رحلته لباريس:-
ثم درس رفاعه في الأزهر حتىٰ بلغ الحادية والعشرين من عمره ثم عمل في الأزهر عامين، وفي عام ١٨٢٤م، عينه محمد علي إمامًا بفرقة من فرق الجيش، ولما قرر إيفاد أول بعثة من الشباب إلىٰ باريس عام ١٨٢٦م، لتلقي العلوم الحديثة من علوم طبيعية وتكنولوجية وعسكرية، اختار رفاعه ليكون إمام هذه البعثة.
وفي باريس عكف علىٰ دراسة الآداب والفنون فبدأ بإتقان اللغة الفرنسية، وبها قرأ التاريخ والجغرافيا والأدب، ولما شاع أمر إقباله علىٰ الدرس والتحصيل ضمه محمد علي إلىٰ عضوية البعثة ليستغل درايته باللغات وليجعل منه مترجمًا، وكان الشيخ رفاعه هو إمام هذه البعثة، وراتبه مائتان وخمسون قرشًا شهريًا.
ثم عينه محمد علي مدرسًا بمدرسة الطب بأبى زعبل، حيث كانت العلوم تدرس بالفرنسية، ثم نقله مترجمًا بمدرسة المدفعية، وأثناء عمله فيها ترجم مؤلفات في الهندسة والجغرافيا لطلاب المدارس العسكرية، ثم انتقل إلىٰ مدرسة الإدارة التى أسسها محمد علي عام ١٨٣٤م، لتخريج أفواج من الموظفين ثم مدرسة الألسن التي أنشئت باقتراح منه عام ١٨٣٦م، وعرفت في بدايتها باسم مدرسة الترجمة ثم عين مديرًا لها إلىٰ جانب تدريسه فيها للغات والإدارة والشريعة والقانون الفرنسى.
عباس الأول وسعيد باشا:-
ويذكر أن عباس الأول أغلق مدرسة الألسن عام ١٨٤٩م، بعد ١٥ عام من عملها وشتت أساتذتها، ونفىٰ رفاعة إلىٰ الخرطوم ناظرًا لمدرسة ابتدائية فيها، ونقل معه صديقه محمد بيومي أستاذ الرياضيات الذي لم يحتمل الصدمة فمات هناك.
وبعد وفاة عباس وتولي سعيد باشا عام ١٨٥٨م، أعاده إلىٰ مِصر واسترد بعض مكانته الضائعة، لكن منذ عام ١٨٦٠م، ولثلاث سنوات ظل بلا وظيفة محددة، حتىٰ أعاد الخديوي إسماعيل في عام ١٨٦٣م، إدارة الترجمة وعينه مديرًا لها، وعضوًا في لجنة المدارس التي تشرف علىٰ تنظيم التعليم بمِصر.
ثم تولىٰ رئاسة تحرير مجلة روضة المدارس عام ١٨٧٠م، حتىٰ وفاته عام ١٨٧٣م.