الرئيسية » مصطفى كامل..وتجسيده الحي لوطنية الشاب المصري بقلم/سلوى الشامي

مصطفى كامل..وتجسيده الحي لوطنية الشاب المصري بقلم/سلوى الشامي

by محمد عجاج زيدان
0 comments

مصطفى كامل..وتجسيده الحي لوطنية الشاب المصري

بقلم الكاتبة سلوى عبد الستار الشامي

يرتبط إسم مصطفى كامل في تاريخ النضال الوطني المصري بتجسيده الحي لوطنية الشاب المصري ، وبأنه قام بفضح جرائم الاحتلال والتنديد بها ، ومن هنا استحق أن يخط إسمه بحروف من نور في سجل أعظم الأبطال الوطنيين في تاريخ مصر .
ولد مصطفى كامل في أغسطس عام ١٨٧٤م في بيت بحي الصليبة بالقاهرة ، وفي سن السابعة سمع بالثورة العرابية عندما قاد أحمد عرابي قواته إلى ميدان عابدين يوم ٩ سبتمبر عام ١٨٨١م لمطالبته بالحكم الدستوري ، وفي العام التالي علم مصطفى كامل بمدافع الأسطول البريطاني وهى تقذف طوابي الإسكندرية يوم ١١ يوليو عام ١٨٨٢ م ، وشهد الأيام الأولى السوداء للاحتلال بعد إستسلام عرابي والقادة العرابيين ومحاكمتهم .
وقد بقيت هذه الأحداث الجسام في ذهن مصطفى كامل ، وعبأت صدره ضد الإحتلال البريطاني ، ولا شك أن نشأة مصطفى كامل كان لها تأثير هام ، فهو من أسرة عسكرية ، إذ كان والده على أفندي محمد ضابطاً مهندساً في سلاح المدفعية ، وكانت والدة مصطفى كامل كريمة ضابط عسكري أيضاً ، وتشربت بالروح الوطنية العسكرية ونقلتها إلى مصطفى كامل .
وحصل مصطفى كامل على شهادة الإبتدائية في عام ١٨٨٧ م ، وعمره ثلاثة عشر عاماً ، ودخل المدرسة التجهيزية ” الثانوية ” وهى مرحلة كانت تتيح لأصحابها في ذلك الحين التمتع برعاية وزير المعارف نفسه ، نظراً لأن عدد المتعلمين في مصر وقتذاك كان قليلاً ، ولذلك اتصل مصطفى كامل في تلك المرحلة بعلي مبارك باشا وزير المعارف وكان يدعوه إلى بيته ويقدمه لزواره من العلماء والكبراء .
أسس مصطفى كامل ” جمعية الصليبة الأدبية ” في عام ١٨٩٠ م ، كان يخطب من خلالها في زملائه ، يقف مساء كل جمعة ببن زملائه يرتجل ما تمليه موهبته ، وهكذا كانت حياة مصطفى كامل في المرحلة الثانوية حافلة بالنشاط الثقافي ، كما كانت خصبة للتعرف على كبار رجال بلده وكل ذلك نمى شخصيته وهيأه لدوره الوطني الهام الذي لعبه في تاريخ مصر .
وقد إلتحق مصطفى كامل وعمره سبعة عشر عاماً بمدرسة الحقوق التى كانت تعد مدرسة الكتابة والخطابة في عهده ، وفي العام التالي مباشرةً إلتحق بمدرسة الحقوق الفرنسية رغم نجاحه في امتحان السنة الأولى ، ليجمع بين المدرستين ويضاعف دراسته القانونية ، وقد أعد نفسه لذلك عن طريق دراسة اللغة الفرنسية أولاً ، فكان يقضي النهار في مدرسة الحقوق الخديوية ، ويقضي المساء في مدرسة الحقوق الفرنسية بالقاهرة ، وحصل على شهادة الحقوق من جامعة تولوز في فرنسا في نوفمبر عام ١٨٩٤ م ، أي بعد عامين اثنيين .
في خلال السنوات الثلاثة التي قضاها مصطفى كامل في مدرستي الحقوق الخديوية والحقوق الفرنسية وقعت أعظم الأحداث التى كونت حياة مصطفى كامل السياسية ، وتتمثل في لقاءان هامان ، لقاؤه بعبدالله النديم خطيب الثورة العرابية فقد ساعد هذا اللقاء على إتجاه مصطفى كامل إلى العمل الصحفي بعد أن شرح له النديم أهمية الصحافة ودورها في تنوير وتكوين الرأي العام خصوصاً بعد أن أصدر النديم مجلته الشهيرة ” الأستاذ ” وصدور العدد الأول في ٢٣ أغسطس عام ١٨٩٢ م كذلك تأثر مصطفى كامل بعبدالله النديم في حياته الخطابية فجاءت خطبه الحماسية الفريدة التي كانت تحرك نفوس الشباب المصري ففي خطابه يوم ٢٢ أكتوبر ينشد مصطفى كامل قائلاً في إحدى خطبه ” بلادي بلادي ، لك حبي وفؤادي ، لك حياتي ووجودي ، لك دمي ونفسي ، لك عقلي ولساني ، لك قلبي وجناني ، فأنت أنت الحياة ولا حياة إلا بك يا مصر ” ثم يقول الجهلاء إني متهور في حبها وهل يستطيع مصري إلا أن يتهور في حب مصر ؟ إنه مهما أحبها فلا يبلغ الدرجة التي تدعو إلى جمالها وجلالها وتاريخها والعظمة اللائقة بها ” ، كان هذا هو تأثير اللقاء لعبدالله النديم في حياة مصطفى كامل .
أما لقاؤه بالخديوي عباس حلمي فكان له تأثير آخر ، ففي نوفمبر عام ١٨٩٢ م زار الخديوي عباس حلمي مدرسة الحقوق الخديوية عندما كان مصطفى كامل طالباً فيها ، وألقى مصطفى كامل بين يديه قصيدة رحب به فيها ، وقد أعجب الخديوي عباس حلمي به ، وكلف رئيس ديوانه بالاتصال به وأبدى عزمه على الاستعانة به في النضال الوطني ضد الإنجليز الذين يحتلون البلاد ، ومنذ ذلك الحين نشأت صلة وثيقة بين مصطفى كامل والخديوي عباس حلمي ، فقد شمل الخديوي مصطفى كامل برعايته وشجعه على إتمام دراسته بفرنسا والسفر إلى تولوز وتولى الإنفاق عليه ، وعندما عاد مصطفى كامل من دراسته في فرنسا في ٦ ديسمبر عام ١٨٩٤ م أرسل إليه الخديوي عباس حلمي للاستعداد للسفر إلى فرنسا مرة ثانية للدعاية للقضية الوطنية بالتعاون مع بعض السياسيين الفرنسيين
الذي كلفهم الخديوي بهذه المهمة ، وقد سافر مصطفى كامل إلى فرنسا وعمره وقتذاك لا يتجاوز واحداً وعشرين عاماً ، وقد كان من نشاطه الوطني في فرنسا أنه قدم لوحة رمزية تمثل مصر ترسف في قيود الإحتلال البريطاني وقدم هذه اللوحة إلى مجلس النواب الفرنسي كما أرسلها لكل النواب وأعضاء مجلس الشيوخ والساسة الفرنسيين وكل الجرائد ذات الشأن في لندن وباريس والأقاليم الفرنسية وروسيا ، كما رسم خطة إعلامية أرسلها للخديوي للموافقة عليها ، وألقى خطبة سياسية في مدرج كلية الآداب بجامعة تولوز في يوليو عام ١٨٩٥ قوبلت بنجاح عظيم .
استمر مصطفى كامل في الدعوة للقضية الوطنية في أوروبا في سنتي ١٨٩٧ م ، و ١٨٩٨ م ، على أمل أن تجبر أوروبا إنجلترا على الجلاء عن مصر ، ولكن أمله في أوروبا خاب بعد تخاذل فرنسا أمام إنجلترا في عام ١٨٩٨ م ، فنقل مصطفى كامل نشاطه من أوروبا إلى مصر وأخذ يعد العدة لإصدار جريدة يومية يحرك بها الرأي العام المصري ضد إنجلترا ، وقد صدر العدد الأول من هذه الجريدة يوم الثلاثاء ٢ يناير عام ١٩٠٠ م تحت اسم ” اللواء ” ، وبصدور ” اللواء ” يمثل البداية الحقيقية لصياغة الرأي العام في مصر صياغة وطنية ضد الإحتلال ، ويمثل بالنسبة لمصطفى كامل البداية الصحيحة لزعامته السياسية ، فإنشاء ” اللواء ” كان اللبنة الأولى في إنشاء الحزب الوطني الجماهيري الذي أصبح أهم حزب وطني في مصر في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى .
وفي الفترة من عام ١٩٠٠ م إلى عام ١٩٠٤ م كانت ” اللواء ” كانت تبذل قصارى جهدها في دعوة الشعب المصري إلى الالتفات حول الخديوي عباس حلمي ، ولكن العلاقات بين مصطفى كامل والخديوي ساءت عندما أخذ الخديوي في مهادنة الإحتلال حرصاً على عرشه ، وبذلك انقطعت الصلة بين مصطفى كامل والخديوي عباس .
وسرعان ما التف الشعب حول مصطفى كامل وجريدة” اللواء ” وأصبح على احتكاك يومي به ، واعتمد الزعيم مصطفى كامل على تحريك الشعب المصري ضد الإحتلال بدلاً من تحريك أوروبا التى ثبت عدم جدواها في إجبار إنجلترا على إنهاء الإحتلال ، وإعترف مصطفى كامل بذلك قائلاً : ” إن الأمم لا تنهض إلا بنفسها ، ولا تسترد استقلالها إلا بجهودها ” ، وهذا الإدراك هو الذي صنع زعامة مصطفى كامل ، فلا يصنع زعامة الزعماء اعتمادهم على القوى الخارجية والشعوب الأجنبية لتحرير بلادهم ، وإنما يصنع هذه الزعامة الإعتماد على شعوبهم وتوعيتها وتربيتها التربية السياسية ، وتعبئة شعورها ضد مغتصبيها .
عندما وقع حادث دنشواي الذي ترتب عليه موت أحد الضباط الإنجليز وإصابة آخرين بعد صدام بين الفلاحين وعدد من جنود الاحتلال الذين كانوا يصطادون الطيور ببنادقهم ، وعقدت السلطات الإنجليزية محكمة مخصوصة في مكان الحادث قضت على أربعة من الفلاحين بالإعدام شنقاً ، وسجن وجلد آخرين ونفذ الحكم بطريقة وحشية في نفس اليوم التالي لصدوره في نفس القرية أمام الأهالي في المكان الذي مات فيه الضابط ، هب مصطفى كامل يؤلب العالم على إنجلترا وعلى همجيتها الوحشية في مصر ، وكان وقتذاك في أوروبا ذاهباً الاستشفاء ، بل ذهب إلى لندن يوم ١٤ يوليو عام ١٩٠٦ م لرفع صوت مصر في عاصمة الدولة المحتلة ، ويتخذ من الحادثة مرتكزاً للمطالبة بجلاء إنجلترا عن مصر .
وعاد مصطفى كامل إلى مصر ليؤسس الحزب الوطني في ٢٢ أكتوبر عام ١٩٠٧ م وقد حرص مصطفى كامل في تأليف حزبه على إشراك الأقباط وأعلن أن ” المسلمين والأقباط شعب واحد ، مرتبط بالوطنية والعادات والأخلاق وأسباب المعاش ، ولا يمكن التفريق بينهما مدى الأبد ” ، ولكن تبعية مصر للسيادة العثمانية والخليفة العثماني كانت تحول دون تحقيق هذا الإرتباط على وجه كامل ، فلما أنه انهزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ، زال هذا الحاجز وتمكن سعد زغلول من تحقيق هذه الوحدة الوطنية المقدسة .
ومنذ عام ١٩٠٣ م أخذت صحة مصطفى كامل تتأثر بنضاله الذي لا يهدأ ، ومع ذلك فقد كان في ذروة مرضه حين ألف الحزب الوطني ، ومرض الدرن يفترس صدره ، وألقى خطبة يوم ٢٧ ديسمبر عام ١٩٠٧ م المعروفة باسم ” خطبة الوداع ” بينما كان الموت يقترب منه حثيثاً .
وفي يوم ١٠ فبراير عام ١٩٠٨ م أسلم مصطفى كامل الروح لخالقه ، فكان هذا اليوم يوم حداد في مصر كلها لم يشغل الناس فيه شئ غير جنازة الزعيم الذي مات في شرخ شبابه ، وقد رثاه أمير الشعراء أحمد شوقي فقال :
لفوك في علم البلاد منكساً
جزع الهلال على فتى الفتيان
يا حبيب مصر ويا شهيد قر
هذا ثري مصر فنم بأمان

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00