ما حكم الحج والعمرة عن طريق المسابقات؟.. دار الإفتاء تُجيب
الحج والعمرة…. ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال مهم عبر موقعها الرسمي، يتكرر كثيرًا في العصر الحديث، خاصة مع تزايد تنظيم المسابقات الثقافية والدينية التي تُقدم جوائز قيمة مثل رحلات الحج والعمرة. وجاء نص السؤال كالتالي:
«ما حكم الحج والعمرة عن طريق المسابقات؟ فقد اشتركتُ وبعض أصدقائي في مسابقة ثقافية نظمتها إحدى الجهات الخيرية، وأعلنوا أن جائزتها رحلة حج أو عمرة، فهل يجوز لي، حال فوزي بهذه المسابقة، أن أحج أو أعتمر بهذه الكيفية؟».
كتبت: وفاء عبدالسلام
هذا السؤال يعكس رغبة الكثير من الناس في التعرف على مدى مشروعية الاستفادة من مثل هذه المسابقات، لا سيما أن الحج والعمرة عبادتان عظيمتان تتطلبان توافر شروط محددة، منها الاستطاعة المالية والبدنية.
دار الإفتاء: لا مانع شرعي من الحج أو العمرة عن طريق المسابقة
أجابت دار الإفتاء المصرية عن هذا السؤال بشكل واضح ومباشر، حيث قالت: “يجوز لك الحج أو العمرة حال فوزك بهما أو بأحدهما من هذه المسابقات، ولا حرج في ذلك، على أن يكون ذلك كله بطرق مشروعة ووفق الإجراءات التنظيمية الخاصة بهذا الشأن”.
وهذا يعني أن الفوز برحلة حج أو عمرة عن طريق مسابقة لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، بشرط أن تكون المسابقة نظيفة، لا تعتمد على المقامرة أو المراهنة المحرّمة شرعًا، وأن تكون الجهة المنظمة لها جهة موثوقة.
الاستطاعة.. شرط أساسي لوجوب الحج
وأكدت دار الإفتاء على مبدأ فقهي أصيل اتفق عليه جميع فقهاء المذاهب الأربعة، وهو أن الاستطاعة شرط لوجوب الحج، وقد استدلوا بذلك على قوله تعالى:
﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
ويُقصد بالاستطاعة هنا القدرة البدنية والمالية على أداء مناسك الحج أو العمرة، فإذا توافرت هذه القدرة من خلال الفوز بجائزة أو منحة أو هدية دون مقابل محرم، فإن أداء الفريضة أو النسك يكون جائزًا شرعًا، بل وقد يُصبح واجبًا إذا كان هذا هو الحج الأول للفائز.
هل تعتبر الجائزة نوعًا من الهبة؟
من الزاوية الفقهية، يمكن اعتبار الجائزة التي يحصل عليها الفائز في المسابقة نوعًا من الهبة أو العطية المشروعة. فالهبة إذا لم تتضمن شرطًا محرمًا أو غرضًا باطلًا، فإنها مقبولة شرعًا، ويجوز للفائز أن ينتفع بها كيفما يشاء، بما في ذلك أداء شعائر الحج أو العمرة.
والجدير بالذكر أن كثيرًا من المسابقات التي تنظمها الجهات الخيرية أو الدينية تهدف إلى تشجيع الناس على التزود بالعلم والمعرفة، ويكون اختيار جائزة الحج أو العمرة وسيلة تحفيزية تجمع بين الأجر الدنيوي والأخروي.
شروط جواز الحج أو العمرة عن طريق المسابقات
ولتأكيد المشروعية الكاملة لأداء الحج أو العمرة من خلال المسابقات، يجب مراعاة بعض الشروط التي نص عليها العلماء والفقهاء، ومنها:
أن تكون المسابقة مشروعة في أصلها، ولا تتضمن قمارًا أو رهانًا.
أن تكون الجهة المنظمة موثوقة ومعروفة بأنها لا تستخدم الأموال بطرق غير شرعية.
أن لا يُفرض على المتسابق دفع مال مقابل الاشتراك، لأن ذلك قد يُدخل المسابقة في باب الغرر أو المقامرة المحرّمة.
أن يكون الفائز قادرًا بدنيًا على أداء المناسك، ولا يُعاني من أمراض تمنعه من أداء الشعائر.
رأي الفقهاء المعاصرين في المسابقات الحديثة
يرى كثير من العلماء المعاصرين أن المسابقات التي تهدف إلى نشر الثقافة الإسلامية أو التوعية العامة، ويكون الاشتراك فيها مجانيًا أو رمزيًا لا يُقصد به الربح، لا حرج فيها شرعًا، ويجوز قبول الجوائز الناتجة عنها.
وقد أفتى بذلك عدد من هيئات الإفتاء المعتمدة، مؤكدين أن الوسائل الحديثة لتشجيع الناس على الطاعات لا تتعارض مع أصول الدين إذا كانت مبنية على أسس سليمة.
لا حرج في الانتفاع بالجوائز المشروعة
من المهم التأكيد أن الشرع الحنيف لا يمنع المسلم من الانتفاع بأي وسيلة مباحة توصله إلى أداء العبادات. فإذا كانت الجائزة وسيلة لتحقيق فريضة مثل الحج، أو نافلة كالعُمرة، دون أن يتضمن الحصول عليها مخالفة شرعية، فلا مانع إطلاقًا من قبولها.
بل إن بعض العلماء يرون أن هذا من باب “التيسير في أداء الفرائض”، وهو مبدأ إسلامي أصيل، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا”.
اغتنم الفرصة إذا كانت مباحة
في ضوء ما سبق، فإن الفوز برحلة حج أو عمرة من خلال مسابقة مشروعة يُعد فرصة عظيمة لا ينبغي التفريط فيها، بشرط التأكد من شرعية المسابقة ووسائل تمويلها.
والأهم من ذلك أن ينوي المسلم أداء هذه الشعائر بإخلاص لله تعالى، ويغتنم تلك اللحظات المباركة في الطاعة والدعاء والتقرب إلى الله، بغض النظر عن الوسيلة التي قُدّمت له بها هذه النعمة.