الطوفان السوري : ملخص المجريات الحادثة منذ اتفاقية الاستانة لردع العدوان
كتب مصطفى نصار
الطوفان السوري..الانشغال و الاستغراق للحلفاء مع هشاشة الدولة: زلزالية المفاجأة تطيح بحلب من يد الأسد.
قبيل التحرك الأخير في العودة للتفكير في إعادة مواجهة إسرائيل عقب وقف إطلاق النار المهين فاجأت المعارضة السورية بفصائلها الخامسة و أبرزها(هيئة تحرير الشام -أنصار الشام -أحرار الشام) في إدلب الجميع بعملية شاملة تمكنت فيها من الحصول على حلب ، و كذلك مطاراتها العسكرية و المدنية مثل مطار حلب و مطار طرطوس ، بالإضافة إلى القلعة الأموية و الجامع الأموي الكبير في حلب . و يعد الهجوم الأكبر و الأعنف بعد توحد صفوف المقاومة و الإعداد المنتظم و المستمر طيلة الأربعة سنوات الماضية .
و قد تقهقرت قوات الأسد للخلف دون إطلاق طلقة واحدة فسمحت للمعارضة في ظل ٦ ساعات من دون مبالغة يوم السبت الماضي تحرير حلب كلها ، مع إطلاق سراح جميع المعتقلين ظلمًا و عدوانًا مع عودة كلية للمهجرين طيلة السبع أعوام الماضية من ٢٠١٧ ، بعد عقد اتفاقية الأستانة بين تركيا و إيران و النظام السوري المجرم
و التي تنص على تخصيص مناطق آمنة تسمى بخفض التصعيد تخصص للمهجرين و اللاجئين خاصة من إدلب و المناطق الحدودية من حلب لكن غباء و إجرام النظام السوري حال دون استمرار تطبيقها حين قذف المدنيين و أجهز على دور تحفيظ قرآن للأطفال في ريف حلب خارج المدينة مما صعق الفصائل ووحدها لرد موحد يؤلم الأسد ، و يربك موازيينه ، و هو ما حدث بالفعل بفعل التراجع السريع من قواته و اختفائه حتى يوم الثلاثاء الماضي دون رد واضح، أو برد مترجرف و مشوش.
و ما ضعف من قوة الهجمة و ردعها ، استغلال المقاومة السورية المسلحة الظروف الدولية لما بالكل من انشغال بظروفه و تشابكاته المحلية ،و المعقدة بمواجهة شرسة و متواصلة مع عدو خارجي ، فروسيا مشغولة مع أوكرانيا باستماتة و استنزاف طويل دام عامين ، و حزب الله ذراع إيران مشغول بحربه مع الكيان الإسرائيلي ، مع انشغال إيران نفسها للتجهيز لفترة ترامب المقبلة ، و إصلاح الاختراقات الداخلية في جهاز المخابرات و الأمن الداخلي الشوفاد، و كذلك القبض على رئيس جهاز المخابرات العامة في إيران قبيل شهرين من الآن .
و تضفي دلالة التوقيت عمق و حكمة بالغة حيث وجهت روسيا في بادئ الأمر النظام السوري لإعادة النظر في التطبيع مع تركيا لغلق عدة ملفات ساخنة على رأسها ملف اللاجئين السوريين في تركيا إما بعودتهم لسوريا أو بتوطينهم وفق مواثيق و بنود المعاهدة ، مع تغيير موقفها لدعم دمشق عقب استمرار المقاومة في التوغل و الاقتراب من حدود حماة ، و خوض معارك ضروس انتهت بانتصارات مدوية لها و استمرارها في التقدم المتوغل
و ما يزيد من أزمة قوة المعارضة السورية عند الأنظمة العربية المطبعة مع النظام السوري المجرم لإعادة دمجه في الدكتاتوريات العربية ، و تحديدًا الملكيات الخليجة التي ترتعد فرائسها عند نجاح أي ثورة تأتي ببديل مدني ، أو ديمقراطي يتوافق مع رأي الأغلبية الكثيرة . تضع تلك الزلزلة الأخيرة من المقاومة السورية تلك الأنظمة أمام تحد حقيقي لتشويهها و تصنيفها ، رغم نفيها الرسمي ، إما بالإرهابية أو الداعشية، مع حملات إخافة إعلامية مكثفة من مصير مشابه عند المعارضة ، أو تجدد روح الربيع العربي من جديد ، و على وجه التحديد الثورة السورية .
و من المهم كذلك الإشارة لضعف و هشاشة الدولة السورية المارقة ،كما يسميها نعوم تشومسكي في إحدى أشهر كتبه ، لما لديها من مجتمع منهار و اعتماد شرعيتها الدولية في الأساس على المساعدة في الحكم عبر قوى إقليمية خارجية ، جعلت الدولة قانونيًا بلا سيادة مسيطرة ، بل و تخطى الأمر ليصل للهجر أو التخلي شبه التام تاريخيًا كما فصل في ذلك جورجيو أغامبين في كتابه “فتنة”، ووفقه على ذلك الدكتور محمد مختار الشنيقطي في حوار مع القناة التاسعة المعارضة لنظام الأسد المجرم، ليترك الشرق الأوسط أمام أكبر طوفان سياسي عقب طوفان الأقصى ليعيد تشكيل الشرق الأوسط من جديد كأحد أقوى تداعياته الهادمة لمصالح الجميع مثلما فصل بدقة رئيس تحرير موقع ميدل إيست أي البريطاني ديفيد هيرست نظرًا لتشابك و اتصال شبكة علاقات معقدة تتصل لتصل بالإقليم بأكمله .
خفايا مثيرة و أسرار خفية :ما وراء كواليس ردع العدوان حتى الساعة
أربكت العملية حسابات دولية كثيرة و متعددة ، متخطية الأمر القوى الخارجية داخل سوريا ، لإن العملية ذاتها أعد لها من أشهر طويلة ، و كما تشير دارين خليفة الباحثة المكلفة لغرفة الأزمات الدولية ، مما يترتب عليه إرباك حسابات إيران و روسيا ، و التي جاءت الردود غير كافية أو غير متوقعة أو غير مباشرة ، مخلفة حالة عامة من الرعب على سقوط نظام الأسد في المنطقة .
و جاء رد الفعل الإيراني الذي ينم عن مأزق كبير كفل بفقدان ثقة النظام فيها على مستوى المعنويات ، و لذلك انهار الجيش و تبخر بسرعة مهولة واضعُا إيران و مجهوداتها المبذلولة من ميليشات و أموال و أسلحة ، و دعم مادي و مالي سخي وصل في بعض الأحيان ل١٠٠ مليار دولار كما في بداية ٢٠١٧ ، تاركًا إياه في حالة صدمة مصدرها فقدان الثقة بطهران ، مع صدمة الآخر من خسارة مساحات نفوذ كبيرة وواسعة في سوريا .
اقرأ أيضا حزب الله والحرب الشاملة .. لحظة تاريخية وتحديات عميقة
و سيطرت حالة الخوف و الهلع في الفعل الإيراني ذاته ، حتى وصوله لوسائل الإعلام الرسمية باعتبار ما حدث مؤامرة من أمريكا و إسرائيل لزعزعة وحدة الساحات و هز أركان النظام الإيراني بأهم حلفائه المتمثل في نظام بشار الأسد . أما خارج نطاق الإعلام الرسمي، فتوجه المحللون السياسون لما اعتبروه مؤامرة مخططة لها من حلف الناتو تجاه سورية ، لكن التساؤل الأهم و الأجدر هنا إن كان هذا الانهيار بفعل قوى خارجية ، فلم اندهشت الأطراف الخارجية نفسها ، و الأخطر من ذلك هو ما أكده موقع الخليج الفارسي في لافتة غريبة و فريدة مؤكدًا فيها دهشة الأطراف الخارجية ، و أن هزيمة الجيش جاء بسبب عدم التجهيز الجيد للجبهة الأمامية .
حيرة أمريكية و شبهة تدخل تركي :احتمالية فك ارتباط المصالح
فالموقف الأمريكي دهش بتلك العملية الهائلة و النوعية ، جازمين بأنهم لم يتدخلوا قط في التجهيز لردع العدوان ،بل على العكس تمامًا الذهول عمهم كذلك لعدة عوامل منها ، تهديد الأسد للسياسة الأمريكية ، بل إن البيت الأبيض نفسه اعتبرها عملية مشتركة بين روسيا و إيران .
اقرأ أيضا إغتيال حسن نصر الله وسيناريو مابعد لبنان .. حرب آخر الزمان ” الحلقة الثالثة”
أما موقف تركيا فهناك شبهات و عوامل عديدة تثبت تدخلها و إنخراطها بالعملية ، رغم النفس الرسمي من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ، مخلفًا لتصريحاته التالية عن عجز طاولة الاستانة عن تفعيل شروط عادلة سياسية ، و شروط تفيد استمراريتها و قابليتها للعمل بمقتضيات عملية ، لكن أفادت مصادر أمنية أن تركيا دعمت عناصر المقاومة بالسلاح مخافة على ملف الأكراد و ضغط حزب العمال الكردستاني على حدودها ، و التي تعتبره منظمة إرهابية .
و يتوقع تقدم المقاومة السورية بعد دخول حماة الاستمرار في التوغل ناحية حمص ، لينتهي الأسد و قبضته على أكبر ثلاث مدن سورية على أرض الواقع ، لتدخل بها لصفحة غامضة تحتمل جميع السيناريوهات متفقة جميعًا على إبقاء سيطرة الأسد ضعيفة و منهارة على بلد منقسم على نفسه لعدة دويلات لن تفعل مثلما فعل الأسد من جرائم مروعة يكتب عنها الدم قبل الحبر ، و الشطر منها بألف كتاب .